التأثيرات المحتملة للحرب التجارية بين واشنطن وبكين على مصر، وكيف يمكن أن تستفيد مصر؟
تحليل تكتبه : د.نادية حلمى
من المهم الإشارة إلى أنه لا يوجد أطراف فائزة من الحرب التجارية فالجميع مهدد بالخسارة، وسيحاول الطرفان هنا ضمان البقاء وتحقيق مكاسب مالية على حساب الطرف الآخر، وهذا ما بدأت الصين القيام به بالفعل رداً على موقف أمريكا بفرض رسوم جمركية على بضائعها، ومن المتوقع أن تتأثر عدد من الشركات الكبرى والصادرات بهذه الحرب.
أن الحرب التجارية التى يشهدها النظام العالمى فى الوقت الراهن تعد (عالمية) لأنها متعددة الأطراف، مشيرًا إلى أن أنها تندرج ضمن أدوات الإدارة الأمريكية الجديدة التى تنبثق عن استراتيجية أمريكية جديدة تتحدد أهدافها وآلياتها التنفيذية فى إطار شعار (أمريكا أولاً حتى الأصدقاء)، وهو الشعار الذى رفعه الرئيس “دونالد ترامب” منذ ترشحه، والذى عمل على تطبيقه فور توليه السلطة
الحرب التجارية تعنى فرض رسوم جمركية بين دولتين أو أكثر بهدف تحقيق منافع اقتصادية، وحماية الصناعة الوطنية ورفع معدل التصدير، وفرض الهيمنة الاقتصادية. وتصاعد نفوذ الصين فى الإقتصاد العالمى مع إطلاق (مبادرة الحزام والطريق) وتنامى حجم وتأثير شركات صينية كبرى يمثل مصدر قلق للولايات المتحدة الأمريكية. من المتوقع أن ينخفض معدل نمو الاقتصاد العالمى إلى 2.9% عام 2019 من نسبة 3%، بسبب إرتفاع مخاطر التوترات التجارية وتراجع معدلات التجارة والتصنيع على الصعيد العالمى. وتؤثر الحرب التجارية على المستثمرين حول العالم، مما يدفع مؤشرات أسواق المال والبورصات الكبرى إلى التراجع جراء حالة عدم اليقين من مستقبل الاقتصاد العالمى.
تؤثر الحرب التجارية على معدلات النمو والبطالة وأرباح الشركات فى العديد من الاقتصاديات المرتبطة بالدول المتصارعة تجارياً، ومنها مصر مما يرفع من التحديات الاقتصادية التى تواجه الاقتصاديات الناشئة حول العالم.
ربما تلحق بمصر آثار غير مباشرة في حال استمرار هذه الحرب على المدى الطويل واتساع نطاق الإجراءات التى تشملها، خاصة على مستوى التصدير وجذب الاستثمارات، وأيضا الإستيراد.
وهناك وجهتى نظر بشأن تأثر الحرب التجارية بين واشنطن وبكين على مصر، كالآتى:
وجهة النظر الأولى: مصر لن تتأثر بالحرب التجارية بين واشنطن وبكين…. للأسباب الآتية:
يتمثل هذا المنظور فى تحليل إن الإجراءات الحالية التى إتخذها كل من البلدين ليس لها تأثير مباشر على مصر فى الوقت الحالى. ويرجع سبب هذا التوقع بإنعدام تأثر الإقتصاد المصرى بما يحدث إلى إرتباط الجنيه المصرى بالدولار الأمريكى الذى إزداد قوة خلال الفترة الأخيرة أمام العملات الأجنبية الأخرى. ويتوقع هذا الرأى عدم تأثر مصر على مستوى التجارة والإستثمار، بالإجراءات التى تتخذها كل من الولايات المتحدة والصين ضمن الحرب التجارية. ورغم ذلك يتوقع آثاراً غير مباشرة على الاقتصاد المصرى من الحرب التجارية الدائرة خاصة على المدى الطويل.
إن فرصة مصر فى الإستفادة المباشرة من الحرب التجارية الدولية الدائرة بين أمريكا والصين ودول الإتحاد الأوروبى وكندا والمكسيك ضعيفة وليست كبيرة، لضعف حجم الصادرات المصرية، فهى تمثل (0.16 %) من إجمالى الصادرات في العالم و (0.34 % ) من إجمالى الواردات.
أما بخصوص الصادرات المصرية، فلا نرى تأثيراً يُذكر حيث إن صادرات مصر من الحديد والصلب والألومنيوم لأمريكا تمثل تقريباً نصف فى المائة من حجم إستيراد أمريكا.
ويتوقع عدم تأثر سعر الجنيه بشكل ملحوظ بأى تراجع قد يحدث للدولار عالمياً بسبب التوترات التجارية العالمية، ويرجع ذلك إلى أن تسعير العملات الأجنبية أمام الجنيه ليس مرتبطاً بشكل قوى بالأسعار العالمية لهذه العملات، ولكن يؤثر فيه عوامل أخرى منها العرض والطلب على هذه العملات إلى جانب كمية تدفقات منها إلى مصر وغيرها من العوامل.
أن البورصة المصرية، وحركة الأسهم والسندات الدولية، قد تستفيد من تلك المتغيرات فى العلاقات الصينية – الأمريكية، كون الحرب التجارية بين واشنطن وبكين قد تدفع المستثمرين للتوجه نحو الأسواق الناشئة وفى مقدمتها السوق المصرية.
أن فرص إستفادة الإقتصاد المصرى من الحرب التجارية الدولية الدائرة بين أمريكا والصين فى الوقت الحالى محدودة، نظراً لأن حجم الصادرات المصرية فى التجارة العالمية ما زال محدوداً، فعلى الرغم من إنخفاض قيمة العملة المحلية والذىي يعد أحد أهم المزايا التنافسية للصادرات، إلا أن إستمرار بعض المعوقات الداخلية لنمو الصناعات التصديرية يتطلب التركيز على دعم بعض هذه الصناعات. وهنا يمكن ترشيح عدداً من المنتجات والسلع لتحقيق نمو فى صادراتها خلال الفترة القادمة، وفى مقدمتها السلع الأولية والمنتجات والمحاصيل الزراعية والمنتجات البتروكيماوية، كما يجب التقليل من فرص إستفادة صادرات الحديد والألومنيوم بصورة مباشرة من القرارات الأمريكية والأوربية بفرض رسوم عليها ضمن واردات أخرى.
كما يتوقع إنخفاض قيمة الدولار عالمياً على المدى المتوسط – مما يخدم مصر إقتصادياً – حال إشتداد الحرب التجارية الدائرة، كما تلقى الحرب بظلالها على أسعار النفط العالمية وتأثر الطلب عليه.
وجهة النظر الثانية: مصر سوف تتأثر بالحرب التجارية بين واشنطن وبكين…. للأسباب الآتية:
تأثير على دخل قناة السويس بسبب الإنخفاض الذى سيحدث فى التجارة الدولية. إن إيرادات قناة السويس لن تتأثر بشكل مباشر بالحرب التجارية، إلا في حال إعتزام الصين التوجه إلى مناطق تجارية أخرى لتعويض خسائرها مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهو احتمال ضعيف. وفى حال إتجاه الصين إلى الأسواق الناشئة سوف تزيد عدد السفن المارة عبر قناة السويس، وبالتالى يرتفع إجمالى إيرادات القناة.
أن الأسواق الناشئة فى مصر ودول القارة الإفريقية والدول العربية أكثر تأثراً بتلك الحرب كونها أكبر مستقبل للسلع الصينية، حيث ستضطر الصين إلى رفع أسعار منتجاتها لتعويض الفرق الذى ستدفعه على وارداتها للولايات المتحدة الأمريكية أو خفض جودة المنتجات للحفاظ على إستقرار الأسعار، مما يعنى فى النهاية إنتشار منتجات رديئة بأسواقنا، خاصةً وأن هناك مؤشرات بإرتفاع متوسط الأسعار لبعض السلع فى مصر بنحو 25%..
التأثيرات على سعر الفائدة: حيث من المحتمل أن تتجه بعض الدول – ومنها مصر – إلى رفع سعر الفائدة؛ لكى تحافظ على الإستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة، ولتمنع خروج الإستثمارات المحلية إلى السوق الأمريكية بحثاً عن عائد مرتفع (حيث سعر الفائدة مرتفع).
أن هذه الحرب هى بداية لتنامى فكر تضييق حرية التجارة والسياسة الحمائية على المستوى العالمى بشكل عام، بعد أن سيطر الإتجاه نحو العولمة والإقتصاد المفتوح وحرية التجارة على النظام العالمى بقيادة الولايات المتحدة والدول الغربية فى العقود الثلاثة الأخيرة. ومع إتساع سيطرة سياسة النزعة القومية والسياسة الحمائية، يتوقع أن تتأثر الدول النامية سلباً ومنها مصر على مستوى تراجع تدفقات رؤوس الأموال والإستثمار فيها من أجل التصدير للدول الأخرى.
كما أن الصادرات المصرية نفسها قد تتأثر سلباً مع تطورات الأحداث على المدى الطويل وزيادة الإجراءات التى تتخذها كل دولة لزيادة جاذبية منتجاتها وفرض جمارك على الواردات، فى الوقت الذي كان أحد أهم أهداف الإصلاح الإقتصادى وتحرير سعر الصرف زيادة جاذبية الصادرات المصرية.
وقد تتأثر الواردات المصرية أيضاً، حيث إن التجارة العالمية ومن ضمنها مصر ستتأثر فى حال إستمرار الإجراءات الأمريكية الصينية على المدى الطويل، فمثلاً أى منتجات تستوردها مصر من الولايات المتحدة ويدخل فيها مكونات إنتاج صينية، سترتفع تكلفتها على مصر.
كما أن أى إجراءات أخرى تصاعدية فى هذه الحرب التجارية قد تؤثر على مصر أيضاً بشكل غير مباشر، كما أن أسواق الأوراق المالية والعملات العالمية قد تتأثر، وبالتالى ستكون لها إنعكاساتها على بقية الدول.
أن أحداث الحرب التجارية لها تأثير محتمل على الإقتصاد المصرى خاصةً مع إستمرار الأوضاع، فمن الممكن أن يحمل تأثيرات غير مباشرة وكبيرة على الإقتصاد المصرى، حيث أن تراجع صادرات المواد الخام وتراجع حركة التجارة بصفة عامة، من الممكن أن يؤدى إلى تراجع الملاحة فى قنوات السويس، وأيضاً التأثير سلباً على قطاع السياحة، ومن ثم التأثير على موارد النقد الأجنبى فى مصر.
ويبقى السؤال الأهم: كيف يمكن أن تستفيد مصر من الحرب التجارية بين واشنطن وبكين؟
1- أن الحرب التجارية ربما تكون فرصة لمصر لغلق الباب أمام المنتجات المستوردة، نظرا ً لإرتفاع أسعار الإستيراد والإتجاه نحو تعميق التصنيع الوطنى، وإستغلال الفرص داخل الأسواق العربية والإفريقية، ويجب أن يتزامن ذلك مع إتخاذ قرارات مؤسسية ولتحفيز الصناعة المصرية.
2- أن مصر فى حاجة شديدة لزيادة دعم إنتاج السلع التصديرية، وأن يتعافى إنتاجها بشكل سريع لإستغلال الفرص التى أتاحتها هذه الأزمة التجارية، وحتى تتمكن من إختراق تلك الأسواق بشكل أكبر خاصةً فى ظل إنخفاض قيمة العملة المحلية، كما تحتاج إلى إحكام الجودة والإلتزام بالمعايير المطبقة بتلك الدول خاصة فيما يتعلق بالسلع الغذائية كالفاكهة والحبوب.
3- وعلى جانب آخر يمكن تعظيم إستفادة مصر من فرض تلك الرسوم، عن طريق تصدير منتجات بديلة للإتحاد الأوربي نظراً لقرب المسافة ووجود سوق تصديرية بالفعل، ولكن مصر لن تكون وحدها فى التنافس على الطلب بالسوق الأوروبى.
4- أن الإستفادة الوحيدة لمصر تتمحور فى مدى قدرتنا على توفير منتج تصديرى تنافسى وتوجيهه لتلك الدول المتصارعة. مصر ستستفيد بشكل غير مباشر من هذه الحرب التجارية العالمية على مستوى بعض صناعات البتروكيماويات، فالصادرات المصرية بهذا القطاع جيدة وتنافسية.
5- كما يتوقع زيادة معدلات نمو الصادرات المصرية فى الفترة القادمة – خاصةً شركات الأدوية والأغذية المصرية – بأسواق إفريقيا، وسوريا والعراق وليبيا، خاصةً مع تدهو سعر الدولار بسبب الحرب التجارية مع الصين، خاصةً مع إهتمام شركات الأدوية والأغذيه بغزو أسواق إفريقيا وأسواق الشرق الأوسط بشكل عام خلال الوقت الحالى.
6- أما القنوات الأكثر تأثيراً على مصر هى قنوات غير مباشرة، حيث إن الإجراءات الحمائية التى يتم فرضها حالياً من الدول التجارية الكبرى تحد من حركة رأس المال وتزيد مخاطرته وبالتالى تتأثر تدفقات رأس المال إلى الولايات المتحدة بشكل كبير، مما قد يمثل ضغطاً على السعر العالمى للدولار، وبالتالى قد يحد من الضغط على العملة المحلية، فمن المتوقع تراجع سعر الدولار فى المدى المتوسط حال إشتدت الحرب التجارية وهذا ما يفيد الجانب المصرى بشدة.
7- ومن ناحية أخرى تلقى الحرب التجارية بظلالها على أسعار النفط العالمية أيضاً، فتقييد حركة التجارة من شأنه خفض معدل النمو العالمى المتوقع وتأثر الطلب على النفط وكذلك التأثير على صناعة الخام الأمريكي سلباً بشكل كبير، وفى هذه الوضعية بالطبع مصر مستفيدة بشكل كبير من إنخفاض كل دولار فى سعر البرميل بالسوق العالمية لأنها مستورد له وهو ما سينعكس بدوره على عجز الموازنة.
8- ويأتى الأهم من ذلك، هو ذلك التقرير الذى أرسله مكتب التمثيل التجارى المصرى فى بكين إلى نظيره بواشنطن، حيث أقر بأنه سيصل إجمالى السلع المحلية المصرية المستفيدة من الحرب بين واشنطن وبكين البلدين إلى 39 سلعة .وشملت هذه البنود الأثاث وحاصلات زراعية وصناعات غذائية وكيماوية ومواد بناء، ومنسوجات، وغيرها. لذا يجب الإستفادة من هذه الفرص المتاحة لإستغلالها والعمل على تنمية قطاع الصادرات المصرية فى تلك القطاعات السابق الإشارة إليها.
9- هناك فرصة كبيرة لمصر وللدول العربية كى تستفيد من الحرب التجارية بين أمريكا والصين وذلك لتعزيز صادراتها من السلع التى تحتاجها تلك البلدان وخاصة صناعة البتروكيماويات، فالصين مثلاً فرضت عقوبات على الصناعات البتروكيماوية الأمريكية، وبالتالى هناك فرصة للدول العربية لزيادة صادراتها إلى الصين، ومن ثمّ تطوير الإنتاجية فى هذا القطاع.
10- أن السوق المصرية أمامها فرصة كبيرة لإقتناص الفرص المتاحة من هذه الأزمة بين واشنطن وبكين، من خلال جذب الإستثمارات الواردة من الصين وأوروبا لتصبح البديل المناسب فى القارة الأفريقية، ولكن يجب أن يكون هناك تحرك مدروس من الحكومة لإستيعاب هذه الفرص وإستغلالها بشكل أمثل، مع العلم، أن هناك صراع قائم بالفعل بين الدول الإفريقية لجذب هذه الإستثمارات، والفوز بهذه الفرص يتوقف على نجاح كل دولة فى التسويق لجذبها.
ومن هنا يتضح، ووفقاً للعرض السابق، أن العولمة والإقتصاد المفتوح كان الإطار العام الذى كان يحكم العالم فى آخر 30 عاماً بقيادة الولايات المتحدة، إلا أنه مع إتساع العجز الأمريكى فى الميزان التجارى مع الصين خلال السنوات الأخيرة، يسعى ترامب لفرض رسوم جمركية على بعض المنتجات المستوردة لتخفيض الإستهلاك منها، والإتجاه لمنتجات محلية بديلة لها. كما أن المنافسة بين بكين وواشنطن إقتصادياً وتجارياً قد ألقت بظلالها على المجتمع الدولى بأسره، ولاسيما الجانب المصرى، خاصةً مع التأثيرات المحتملة لتلك المنافسة على مصر، لذا، يجب أن نستفيد أقصى إستفادة حفاظاً على مصالحنا التجارية بين واشنطن وبكين بالشكل الذى أوضحناه.
أستاذ مساعد العلوم السياسية بكلية السياسة والإقتصاد/ جامعة بنى سويف- خبيرة فى الشئون السياسية الصينية- محاضر وباحث زائر بمركز دراسات الشرق الأوسط/ جامعة لوند بالسويد- مدير وحدة دراسات جنوب وشرق آسيا
اكتشاف المزيد من أخبار السفارات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.