الحرس الثوري الإيراني… قراءة في نشأته وبداياته وتدخلاته في شئون الدول العربية

كتب: حسام السيد النجار | 

قوة ضاربة في إيران تسيطر على مفاصل الدولة، تُوكل إليه المهمات القذرة، ينتشر في بعض الدول العربية، يُشعل الفتن والحروب فيها، يتفرع منه ميليشيات وجماعات، تتجسس، تقتل، تقمع، تجعلها خرابًا، فشل في عدة ملفات، وانهياره يعني انهيار النظام الحاكم، اغتيالات عدة أنهكته، وأخذت جلَّ قادته المُحنكين؛ إنه الحرس الثوري الإيراني.

نشأة الحرس الثوري الإيراني:

في 1 فبراير عام 1979م؛ تهبط طائرة في مطار طهران، وينزل منها روح الله الخميني قائد الثورة الإسلامية في إيران، ليعلن انتصار الثورة التي أطاحت بحكم الشاه واستبداله بالجمهورية الإسلامية، وبعد أيام قليلة من انتصار الثورة في إيران، بدأ الخميني بإحكام قبضته ونفوذه، وبسط سيطرته على البلاد؛ فكان لا بد من إنشاء نظام سياسي ظاهره التوجه الإسلامي، وهذا النظام بالتأكيد يحتاج لحماية، وبشكل أدق يحتاج إلى قوة مسلحه تدين بالولاء الكامل له، وتقتلع جذور النظام السابق.

فظهرت فكرة القوة المسلحة على هيئة الحرس الثوري الإيراني، أو حرس الثورة الإسلامية، زاعمين أنها من أجل توحيد القوة العسكرية، والمكافحة من أجل الحفاظ على النظام الجديد؛ ليصدر الخميني في 5 من مايو عام 1979م مرسومًا بإنشاء الحرس الثوري الإيراني، هدفه الأول حماية النظام الحاكم، فيما أوكلت مهمة حفظ الأمن الداخلي، وحماية حدود البلاد إلى القوة العسكرية النظامية.

لاحقًا تداخلت الأدوار، وأصبح الحرس الثوري الإيراني يقوم بحفظ الأمن العام، وغيره، إلى أن أصبح قوة عسكرية كبيرة في إيران تسيطر على مؤسسات الدولة ومفاصلها، وتسيطر على أبرز المناصب الحساسة فيها، ليصبح فيما بعد قوة سياسية وعسكرية في البلاد، وجهازًا أمنيًّا وقوة ثقافية واجتماعية، تؤثر في الواقع الإيراني، ومنظمة استخباراتيه وتجمعًا صناعيًّا واقتصاديًّا؛ بمعنى أدق يسيطر على كل أركان الدولة الإيرانية، فـ(غايته الأساسية هي تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية إلى خارج الحدود).

ويتكون الحرس الثوري الإيراني من 125 ألف عنصر فعال، يتوزعون بين القوة الجوية والبرية والبحرية؛ بالإضافة إلى فرع الاستخبارات التابعة للحرس وقوات فيلق القدس وقوات الباسيج.

الباسيج تسلط بلا حدود:

هى قوة شبه عسكرية تحت مسمى: منظمة تعبئة المستضعفين، غالبيتها من المتطوعين، أسسها الخميني أواخر عام 1979م، شاركت القوات في الحرب العراقية الإيرانية ما بين عامي: 1980 – 1988، وكان الهدف من إشراكهم في الحرب الزج بهم على جبهات القتال، لاحقًا ظلت قوات الباسيج فعالة ولم يتم تفكيكها، باعتبارها ميليشيا دينية تقدم للنظام الحاكم خدمات عدة ودون مقابل، فأغلب المتطوعين في الباسيج لا يتلقون رواتب من الحرس أو الدولة، كما أن أغلبية المتطوعين يأتون من خلفيات فقيرة بحثًا عن بعض النفوذ.

فيما تعمل القوات كشرطة أخلاق للحفاظ على الأعراف الإسلامية في البلاد، وتتركز مهامهم في التضييق على الشعب وملاحقاتهم في قضايا عدة، والمهمة الأكبر على عاتق الباسيج هي قمع الاحتجاجات والقضاء عليها، كما حصل في احتجاجات عام 2009م، والاحتجاجات الأخيرة التي حصلت في عام 2022م، يبلغ العدد الرسمي لقوات الباسيج 90 ألف متطوع؛ إضافة إلى مليون آخرين يعتبرون كأعضاء نشطين يتم استدعاؤهم في حالات الطوارئ، كما يوجد بعض من أفرادها يعملون في المؤسسات الحكومية، ويعتبر كل دور قوات الباسيج في الشأن الداخلي، أما الشأن الخارجي فله متطوعوه ومليشياته الخاصة به.

ميليشيا فيلق القدس:

وفي عام 1989م يتم تنصيب علي خامنئي المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، خلفًا لروح الله الخميني بعد وفاته؛ عامان على انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، شعر الحرس الثوري الإيراني إلى حاجتة لتعزيز قوته الخارجيه، فأصدر علي خامنئي قرارًا بتشكيل قوة جديدة في الحرس، تحت مسمى: قوة القدس أو فيلق القدس، الذي أصبح ذراع إيران في الخارج لتنفيذ المهام الحساسة ونشر الفتن والقلاقل في بعض الدول العربية. (بي بي سي عربية).

تقدر أعداد أعضائه بـ 15 ألف مقاتل، وتم تعيين أحمد وحيدي كأول قائد للحرس الثوري، فيما تولى لاحقًا قاسم سليماني قيادة الفيلق، وبقيا مترأسًا عليه قرابه 22 عامًا، حتى اغتياله من قِبَل الولايات المتحدة الأمريكية في العراق عام 2020م، ذلك الذي يعتبر الرجل الثاني في السلطة الإيرانية، كما سميت فترة ترأسة للفيلق بالعهد الذهبي، إذ توسعت نشاطاته كثيرًا في عهد سليماني؛ وبعد مقتله تم تعيين إسماعيل قاآني لقيادة الفيلق، ويرأسه حتى الآن.

تدخلات فيلق القدس في شئون الدول العربية:

لعب فيلق القدس أدوارًا عدة، وكان له تدخلات كبيرة في منطقة الشرق الأوسط وبعض الدول العربية الأخرى؛ وكانت غايته الأساسية هي تصدير الثورة الإسلامية إلى الخارج، وتنفيذ العمليات الموكله إليه خارج الحدود الإقليمية، وتزويد جماعات مقربة من إيران بالدعم المالي والعسكري، وبدأ بصناعة ميليشيات خاصة به وإرسال الأخرى للدول.

ففي عام 1997م وأثناء اندلاع حرب البوسنة والهرسك، شارك فيلق القدس بتدريب مقاتلين بوسنيين، وذلك عبر تواجده هناك على أنه من الهلال الأحمر الإيراني، وكما برز دوره في حرب العراق، إذ عزز تواجده في العراق عن طريق الحشد الشعبي، ومسئولين عراقيين تابعين لإيران، وفي لبنان كان لفيلق القدس دورًا كبيرًا في حرب لبنان يوليو عام 2006 وذلك عن طريق حزب الله اللبناني الذي تأسس بعد الثورة الإسلامية بأعوام قليلة، إذ كان دافعًا قويًّا لنشأة الحزب بسبب الارتباط المذهبي بين النظام الحاكم في إيران والبيئة الفكرية لجماعات الحزب، الذي أصبح تابعًا لها ويتلقى أوامره منها ومن الحرس.

دور الحرس الثوري الإيراني في اليمن:

لليمن خصوصية دينية وتاريخية لدى إيران، وترتكز الخصوصية الدينية على ما تسمى: «الثورة السفيانية» التي روَّج لها الشيعي علي الكوراني العاملي في كتابه: (عصر الظهور).

أما عن الخصوصية التاريخية: فإن اليمن كانت ولاية تابعة للإمبراطورية الفارسية قبل أن يحررها الإسلام، ولذلك تتداخل الأهواء الدينية والأطماع التاريخية مع بعضها البعض في عملية صياغة وتحديد مسار السياسة الإيرانية في اليمن، وقد كثُر الحديث عن التدخل الإيراني في اليمن طوال سنوات الصراع بين الحوثيين والسلطات اليمنية، وبرز دور فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، عن طريق تدريب جماعة الحوثي ومدِهم بالسلاح والدعم، ليصبح الحوثيون يدَّ إيران التي تبطش بها في اليمن، وذراعها في شبه الجزيرة العربية، وتسعى إيران من وراء هذه التدخلات إلى زعزعة استقرار اليمن والمملكة العربية السعودية.

تدخلات الحرس الثوري الإيراني في العراق:

منذ سقوط نظام حزب البعث الحاكم في العراق قيادة صدام حسين عام 2003م، اتبع النظام الإيراني ثلاث سُبل لمد نفوذه على السياسات العراقية:

– تعزيز نفوذه الديني والترويج لولاية الفقيه.

– التموضع على أنه المحكم الرئيس في النزاعات السياسية العراقية؛ إذ تساعد إيران حلفاءها على اختلافهم على اكتساب المزيد من القوة من خلال العملية السياسية العراقية، ثم تعمل على نشوب الخصومة فيما بينهم لتأتي منقذًا وتفض نزاعًا غالبًا ما تكون هي المسبب فيه.

– معايرة الأنشطة العنيفة بين الميليشيات الشيعية المواليه بمثابة وسيله للضغط على الجهات الفاعلة السياسية.

أما في سوريا فكان فيلق القدس التابع الحرس الثوري الإيراني لاعبًا محوريًّا في الحرب السورية، إذ قدم قوات تقاتل على الأرض لدعم العمليات العسكرية ونظام الأسد؛ بالإضافة لتدخلاته في احتجاجات البحرين التي اندلعت في عام 2011م، إذ اتهمت البحرين الفيلق بالتدخل في شئونها الداخلية ودعم الاحتجاجات، ويوجد لفيلق القدس العديد من مراكز التدريب في دول وأماكن عدة في إيران، ويعمل على تدريب المجندين على العمليات العسكرية وفق أيديولوجيا معينة.

تدخل الحرس الثوري الإيراني في الأزمة السورية:

سوريا هي المحافظة الخامسة والثلاثون لإيران، وهي بقعة إستراتيجية بالنسبة لنا، إذا هاجمنا عدو وكان يسعى للسيطرة على سوريا أو خوزستان (محافظة إيرانية)، فإن الأولوية ستكون للحفاظ على سوريا؛ لأننا إذا حافظنا على سوريا فسوف يمكننا استعادة خوزستان، لكن إذا خسرنا سوريا، فلن نتمكن من السيطرة على طهران”؛ تلك العبارة التي جاءت على لسان حُجَّة الله مهدي طائب، مسؤول الاستخبارات الأسبق في الحرس الثوري.

وكانت هذه العبارة أحد أقوى التبريرات التي قدَّمتها إيران لتدخُّلها في سوريا عام 2011، وهي تستمد دلالتها من كونها صدرت على لسان حجة الله مهدي طائب، مسؤول الاستخبارات الأسبق في الحرس الثوري ورئيس مركز “قاعدة عمار” البحثي المُقرب من المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية علي خامنئي.

وقد صار واضحًا طيلة السنوات العشر الماضية أن الإستراتيجية التي تحكم عقول قادة إيران هي: أن سوريا حليف قديم وحصن منيع، ونُقطة لا مفرَّ من حمايتها في خط النفوذ الإيراني المُمتد من العراق حتى لبنان، وأنها خط دفاع رئيسي أيضًا في الدفاع عن إيران ضد التهديد الأمريكي (ومن خلفه الإسرائيلي) المتواصل لنظام الحكم في إيران منذ نشأته عام 1979.

من هذا المنطلق: نظرت إيران إلى الثورة السورية التي اندلعت عام 2011 بوصفها تهديدًا خطيرًا ينال أحد الأضلع المركزية فيما تسميه طهران محور المقاومة أو الممانعة، ومِن ثَمَّ بذلت الغالي والنفيس لحماية نظام بشار الأسد، ونجحت في مسعاها إلى حدٍّ كبير، لا سيما مع تدخُّل روسيا عسكريًّا لتعضيد وجود إيران العسكري على الأرض.

تعاظم الحضور العسكري الإيراني على الأراضي السورية بمرور الوقت، وتوافد الجنرالات والضباط والمرتزقة التابعون للحرس الثوري من كُلِّ حدبٍ وصوب لتلبية نداء الحرب من أجل الأسد؛ ففي عام 2013، أرسلت طهران القائد “حسين همداني” للإشراف على عمليات فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني (قُتِل الرجل في أكتوبر 2015 في ضواحي حلب)، وهو رجل امتلك خبرة واسعة في قمع الحركات الانفصالية الكردية في كردستان الإيرانية في أعقاب ثورة 1979، ثم في الحرب العراقية – الإيرانية، كما نجح في عامي: 2009 و2010 في قمع التجمُّعات المناهضة للنظام في طهران بفعالية، مما جعله نموذجًا لنقل خبراته إلى نظام الأسد الذي واجه مزيجًا من الاحتجاجات والانتفاضات المسلحة والحروب غير النظامية على حدٍّ سواء منذ عام 2011.


اكتشاف المزيد من أخبار السفارات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من أخبار السفارات

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading