الكاتبة الصحفية خيرية شعلان تكتب … صباح الخير يا رجائي
بقلم: خيرية شعلان
إمبارح .. مر 30 عاما علي الحدث التاريخي الذي وقع يوم ثلاثاء، 12 أكتوبر 1992، الساعة الثالثة و9 دقائق عصرا تقريبا.
في اليوم ده عشنا لحظات عصيبة إمتدت أوجاعها من القاهرة حتي صنعاء باليمن من الظهيرة للمساء حتي صار أطول يوم في التاريخ، حين ضرب مصر زلزالا إستمر لمدة 30 ثانية بقوة 5.8 درجة على مقياس ريختر لكنه كان مدمرا بشكل غير عادي بالنسبة لقوته، ويعد أحد أكبر الكوارث الطبيعية التي شهدتها مصر وتسبب في مصرع العشرات وتشريد المئات.
30 ثانية كانت دهرا بالنسبة لنا انا وانت، عشنا نبحث عن بعضنا البعض حتي لطف الله بنا وتلاقينا في المساء بعد يوم كان بمثابة دهرا كاملا.
كنا قد عدنا القاهرة أنا والأطفال لتلحق سوسنة بالمدرسة في مدينة مايو حيث سكننا ننتظر عودتك النهائية من مهمة عملك الصحفية في صنعاء.
كانت ماما معنا في هذا اليوم وكان يبدو يوما عاديا ككل الأيام التي سبقته، ماما تشاهد التليفزيون ونام حاتم بجوارها وفي أحد أركان الصالة جلست أتحدث في التليفون مع صديقة صحفية سودانية وسوسنة تلهو حولنا ، في لحظة فارقة انقلب كل شئ رأسا علي عقب، قطعت مكالمة التليفون وتوقف التليفزيون وشاهدت من موقعي الشبابيك تفتح وتغلق اوتوماتيكيا كأن ريحا شريرة تسعي لإقتلاعها والحوائط تهتز بشدة وترقص وهي ثابتة في مكانها، وفي الخلفية صراخ أمي وسوسنة ذعرا وفزعا من هول المنظر والإهتزازات القوية التي افقدتنا جميعا التوازن، وتملكتني صدمة أخرستني وتجمدت معها اوصالي وتوقف عقلي عن التفكير .. كل ذلك في ثلاثين ثانية لا أكثر ولا أقل .
حين أدركنا ما وقع فوق رؤوسنا بدأنا نتماسك وبتلقائية لا أعرف لها سببا حتي الٱن وجدت أمي توقظ حاتم من النوم وتطلب مني انا وسوسنة أن نصحبها الي الشارع وكانت أمي الست البسيطة التي لم تشهد زلزالا من قبل هي أول المتصرفين، وسألتها لماذا ننزل الشارع فقالت الشارع أأمن لنا، أنها الفطرة السليمة، نظرت إليها وقلت لها ولكن ربما تعود الحرارة في التليفون ورجائي حتما سيتصل ليطمئن علينا بعد أن يذاع خبر تعرض مصر لزلزال .. لا استطيع النزول معك، لم ترد علي وسحبت العيلين في أيدها ووضعت حذاءها في قديمها ولفت طرحتها حول رقبتها وفتحت الباب وغادرت مسرعة وصوتها يرن علي السلم ..ابقي سلمي علي رجائي وطمنيه.
كان أطول يوم ف التاريخ قتلني انتظار عودة الحرارة في التليفون وانت في بلاد الله خلق الله لم يتوقف أصبعك عن إدارة قرص التليفون لكل الارقام التي سجلناها في أجندة تليفوناتنا علي مكتبك .. عرفنا عشرات من المصريين الذين زاروا اليمن أو عاشوا فيها أو عملوا بها أو حتي مروا عليها كضيوف فأجريت إتصالات بهم وبأقارب وجيران ومعارف، أصدقاء وغرباء من شرق مصر لغربها من وجه بحري للصعيد رجال ونساء، مؤسسات وإدارات حكومية وصحفية،
حتي المساء تقلب اوراق الأجندة تبحث عن أحدا يطمئنك حتي انك اتصلت بمسئولين ومعارف يمنيون وعرب وأجانب ربما يكون عند أحدهم معلومة أو خبر يطمئنك بعد أن انعزلت مصر عن العالم لفترة بعد حدوث الزلزال. لكن لا مجيب ولا رد ولا حد يبل ريقك بكلمة.
وحين جاءني صوتك مع اول رنة لتليفوننا في المساء بكينا بكاء حارا لم يوقفه إلا ضحكتك الحلوة التي أوقفت بها نزيف الألم وقلت لي بحب غامر :
انا كمان عشت اكبر زلزال في حياتي يا خيرية عشت زلزالا نفسيا وجسمانيا والأرض ثابتة تحت قدمي .. طمنيني عليكم وعلي مصر وناسها .. رددت وسط دموعي :
الحمد لله الحمد لله الحمد لله كلنا بخير إطمن
إطمن يا حبيبي
عاوز أكلم سوسنة وحاتم
ناموا مع ماما من هول ما شاهدوه اليوم
.. وحين جاء الزلزال الثاني القوي 2013 كنت معنا في مصر ولكنك كنت في الخارج في مأمورية عمل وساعتها طلبتني وضحكنا هذه المرة كثيرا لإن الحظ عاندنا ولم يتح لنا أن نشهد معا أي زلزال في حياتنا .. لكننا عشنا معا أحلي زلزال للحب الذي هز قلوبنا بالفرح والسعادة.
كاتبة المقال : نائب رئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الاوسط
اكتشاف المزيد من أخبار السفارات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.