أخر الأخبار

إمكانية تأثير التحالف الدفاعى المحتمل بين روسيا والصين فى أزمة أوكرانيا على (أمن إسرائيل فى سوريا وصفقات السلاح الروسية والأمن الغذائى فى الشرق الأوسط)

تقرير : محمد صوابى
تحليل: الدكتورة/ نادية حلمى
الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية – أستاذ مساعد العلوم السياسية جامعة بنى سويف

جاء أول رد فعلى إسرائيلى حقيقى بعد قيام الرئيس الروسى “بوتين” بإجتياح مدينتى “لوغانسك” و “دونيتسك” فى إقليم “دونباس” فى أوكرانيا، يوم الأثنين الموافق ٢١ فبراير ٢٠٢٢، بطلب رسمى موجه من الحكومة الإسرائيلية إلى الجانب الروسى لحماية المواطنين اليهود فى أوكرانيا، وطلب إسرائيل مساعدة روسيا لإجلاء المواطنين اليهود والإسرائيليين المقيمين فى أوكرانيا فى حال نشوب حرب. وتكمن “ملامح الخطة الإسرائيلية لإجلاء يهود أوكرانيا وفقاً لمبدأ حق العودة لليهود حول العالم، فضلاً عن الإسرائيليين المقيمين فى أوكرانيا”، من خلال إجلائهم عبر الطرق البرية، مع طلب إسرائيل لعدد من الضمانات القانونية والأمنية من العاصمة “موسكو” لفتح ممرات إنسانية. وعلى الرغم من المحاولات الإسرائيلية السابقة للتوسط بين الطرفين الروسى والأوكرانى، لتحقيق التوازن بينهما، إلا أنها فشلت فى تحقيق أى نوع من التقارب مع الكرملين فى هذا الأمر.

وتأتى أهم التخوفات فى الشرق الأوسط عموماً، بأن تلك التطورات الخاصة بالإعتراف الروسى بمدينتى “لوغانسك” و “دونيتسك” فى إقليم “دونباس” بأوكرانيا، كدولتين مستقلتين، قد يؤدى إلى تصاعد وتنامى التهديدات الأمنية، الأمر الذى سيؤثر سلباً على صادرات القمح الأوكرانية للمنطقة، وهو ما يشكل “أكبر خطر على الأمن الغذائى العالمى”، خصوصاً أن معظم المناطق الأوكرانية المنتجة للحبوب والزيوت النباتية فى (الجانب الشرقى لأوكرانيا)، وهو الجانب الأكثر تهديداً وإستهدافاً من روسيا أكثر من غيره، خاصةً بعد الإعتراف ب “لوغانسك ودونيتسك” كدولتين مستقلتين، الأمر الذى قد يمهد لتصاعد الصراع وإمكانية نشوب هجوم روسى محتمل. وتشير التوقعات، بأن لدى مصر كدولة مهمة فى الشرق الأوسط إحتياطى من القمح يكفى لخمس أشهر.

وهنا، فإنه تعد أبرز تداعيات أزمة أوكرانيا وروسيا فى حال نشوب الحرب بينهما على مصر وبلدان الشرق الأوسط ستكون إقتصادية بالأساس، حيث بات يطلق على أوكرانيا لقب “سلة خبز أوروبا “، مع الإعتماد الكثيف من دول الشرق الأوسط بشكل كبير على أوكرانيا إلى مستوى يحذر البعض من إرتفاعه بشكل خطير فى حالة الحرب. وتبرز أهم النتائج المترتبة على هذا الصراع الأوكرانى- الروسى، بالنسبة لمصر والشرق الأوسط، على النحو الآتى:

١) يلاحظ بأن الحلفاء والشركاء فى الشرق الأوسط ليسوا مهمين فى الجهود المبذولة لردع روسيا عن غزو أوكرانيا. قد يكونون على إستعداد للمساعدة على الهامش. وهنا يمكن لقطر تحويل إمدادات الغاز من العقود طويلة الأجل فى آسيا إلى السوق الأوروبية فى حال نشوب الحرب بين روسيا وأوكرانيا، كما يمكن للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة العمل على (تخفيف الضغط على أسعار النفط فى حالة حدوث الحرب، وإسرائيل يمكنها الإستمرار في تمرير الرسائل الخاصة إلى الكرملين للحث على وقف التصعيد بين طرفى الصراع)، وفقاً لما أعلنته إسرائيل ذاتها.

٢) لكن الصمت العلنى لجميع تلك البلدان فى هذه الأزمة يتحدث عن ضرورة الإشارة والنظر لتحليل (واقع الجغرافيا السياسية الجديدة للشرق الأوسط). فقد أصبحت روسيا لاعباً فى المنطقة وملأت جزئياً الفراغ الذى تركته الولايات المتحدة الأمريكية، ولبعض حلفاء الولايات المتحدة تبدو موسكو أكثر ثقة من واشنطن، لا مجال للإلتفاف حول هذه المقايضة الأساسية، بالنظر إلى حقيقة أن الصين الصاعدة وروسيا العدوانية يتطلبان المزيد من الولايات المتحدة الأمريكية.

٣) وربما سيلجأ الرئيس الأمريكى “جو بايدن” إلى تخفيف ضغوطه على بلدان الشرق الأوسط، بدلاً من مطالبة شركائه وحلفائه فى المنطقة بإتخاذ موقف علنى واضح. وهذا يتجاوز التصريحات والإدانات بشأن أوكرانيا. فقد (تضطر واشنطن إلى التهادن مع السياسات السعودية)، ومع ولى العهد السعودى “محمد بن سلمان”، خاصةً إذا إحتاج “بايدن” اللجوء للجانب السعودى لخفض سعر النفط.

٤) وبناءً عليه، قد يضطر “بايدن” لإتباع سياسة واقعية جديدة لتحقيق مصالحه، عبر (سياسة التخلى عن الضغط على السعودية والإمارات لإنهاء حربهما فى اليمن، وإفساح المجال لدعم جهودهما لردع ميليشيات الحوثى المدعومة من إيران). فهنا، قد تضطر الولايات المتحدة الأمريكية إلى الإستمرار فى منح إسرائيل حرية التصرف فى التعامل مع التخريب الإقليمى لإيران حتى مع عودة “بايدن” إلى الإتفاق النووى مع إيران.

٥) كما قد يكون (التعاون الأمريكى مع مصر فى غزة وليبيا الأولوية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية على مطالبها للرئيس “عبد الفتاح السيسى” فيما يتعلق بملفات حقوق الإنسان والديمقراطية)، وخلافه من الشؤون الداخلية.

٦) وسنلاحظ مدى كشف الأزمة الأوكرانية- الروسية عن (التراجع الكبير فى دور الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط)، والذى ظهر جلياً فى تلك الأزمة، فرغم حالة الصمت الرسمى من الأنظمة السياسية العربية للتعليق حول تلك الأزمة، إلا أن تحليلى ورؤيتى العامة للمشهد الراهن فى المنطقة، ربما يشير إلى (إنحياز عدد كبير من الدول العربية إلى الجانب الروسى وحليفها الصينى، والتى يعتبرونهما بأنهما وفرتا لهم بديلاً أو شريكين قويين يمكن الإعتماد عليهما فى المستقبل)، وبالأخص فى ظل تلك المتغيرات الدولية الحادثة.

٧) أن تحليلى للأزمة الأوكرانية وتداعياتها على الشرق الأوسط ما بعد التراجع التدريجى للولايات المتحدة الأمريكية من المنطقة، قد مكننى من ملاحظة بأن حلفاء وشركاء واشنطن فى الشرق الأوسط، حتى وإن كانوا متعاطفين مع أوكرانيا وملتزمين تجاه الولايات المتحدة، إلا أنهم فى الوقت ذاته (غير مستعدين لإتخاذ أى مواقف عدائية أو سلبية أو تحريضية ضد موسكو).

٧) وهنا، لفهم مدى التغيير لأقرب حليف لواشنطن فى الشرق الأوسط، وهو “إسرائيل”. ففى منتصف يناير ٢٠٢٢، أجرت الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل جولة من المشاورات الإستراتيجية. وكان التركيز الإسرائيلى على (طموحات إيران النووية ومدى إستغلال إيران وروسيا لأزمة أوكرانيا وإنشغال العالم بها، لتهديد مصالح إسرائيل فى هضبة الجولان السورية المحتلة من إسرائيل، وذلك عقاباً لإسرائيل كدولة حليف الثقة من واشنطن)، فى الوقت الذى بدأت فيه محاولات من قبل واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون بشراسة إنقاذ اتفاق ٢٠١٥ مع إيران الذى ألغاه الرئيس السابق “ترامب”.

٨) والأبرز عندى، هو أنه فى الوقت الذى تقوم فيه إدارة بايدن بالضغط لمعارضة تكتيكات الضغط التى تمارسها موسكو ضد كييف لم يذكر التشاور الأمريكى- الإسرائيلى أى مشاورات بشأن تأثير أزمة أوكرانيا على إسرائيل. وفى الواقع، فإنه منذ بدء تعزيز القوات الروسية منذ عام ٢٠٢٠، فقد إلتزمت “إسرائيل” سياسة الصمت المستمر، بإستثناء عرض من رئيس الوزراء “نفتالى بينيت” للتوسط بين أوكرانيا وروسيا، وهى تلك الفكرة التى رفضتها موسكو بشكل قاطع.

٩) وفى إعتقادى، فأرى أن الوضع بالنسبة للإسرائيليين هو عدم إختلاف حساباتهم عن ذى قبل، بالرغم من إعتمادهم الشديد على الولايات المتحدة الأمريكية. فمازال التهديد الوجودى لإسرائيل متمثلاً فى إيران. فالتخوف الإسرائيلى الوحيد من الأزمة الأوكرانية، هو (سياسة العقاب غير المباشر الروسى والإيرانى لإسرائيل، بإعتبار “تل أبيب” شريكة أمنية ودبلوماسية وثيقة لواشنطن)، بفتح كلاً من روسيا وإيران لعدة جبهات ضغط على إسرائيل، مع وجود (ثلاثة أعداء على حدود “إسرائيل” الأربعة وفقاً لتحليلات مراكز الفكر الإسرائيلية)، فالتخوف الإسرائيلى هنا، هو إستغلال أعداء إسرائيل لأزمة أوكرانيا مع روسيا، لزيادة تقاربهم مع إيران، كوكلاء للإيرانيين فى مواجهة إسرائيل، ويأتى على أبرزهم: (حماس فى غزة، وحزب الله فى لبنان، والميليشيات التى تسيطر عليها إيران فى سوريا).

١٠) فهنا سنلاحظ أن تأثير الأزمة الأوكرانية الروسية على الجانب الإسرائيلى، يتمثل فى التخوف الإسرائيلى من إستغلال أعدائها “إسرائيل” للأزمة، وهو ما تسميه إسرائيل، بأنه نظرية “الحرب بين الحروب”، وذلك لمنع نقل الصواريخ الإيرانية المتطورة وأنظمة التوجيه عبر سوريا إلى حزب الله فى لبنان وإحباط محاولات الميليشيات المدعومة من إيران من فتح جبهة أخرى مع “إسرائيل” فى مرتفعات الجولان.

١١) الوجود العسكرى الروسى فى سوريا يجعل إسرائيل لاعباً فى هذا الصراع أكثر من الولايات المتحدة الأمريكية التى تحتفظ بقوة محدودة فى شرق سوريا لمحاربة داعش لكنها تركت “إسرائيل” لتدافع عن نفسها فى بقية البلاد.

١٢) وتبقى الطريقة الوحيدة التى يمكن لـ “إسرائيل” من خلالها مواصلة هجماتها الجوية المتكررة على أهداف إيرانية فى سوريا، هى فى حالة موافقة القوات الجوية الروسية على إستخدام “إسرائيل” للمجال الجوى السورى.

١٣) لذا، يمكننا تفسير أسباب الزيارات المتكررة التى قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلى “بنيامين نتنياهو”، والتى وصلت إلى عشر زيارات إلى روسيا بين عامى ٢٠١٥ و ٢٠٢٠، وذلك لتأمين تعاون الرئيس الروسى والتأكد من أن عمليات القوات الجوية الروسية والإسرائيلية فى سوريا، لن تعترض طريق بعضها البعض. وبالمثل بمجرد أن أصبح “نفتالى بينيت” رئيساً للوزراء عام ٢٠٢١، فإنه لم يضيع أى وقت فى إعادة تأكيد تلك الترتيبات فى زيارة إلى الكرملين فى أكتوبر ٢٠٢١.

١٤) لكن فى يناير ٢٠٢٢، فقد أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن (طائرات روسية وسورية قامت بدورية مشتركة فوق مرتفعات الجولان السورية التى تحتلها إسرائيل، وأن هذه الدوريات ستستمر). فقد كانت هذه (طلقة تحذيرية رمزية) من قبل روسيا وسوريا لـ “إسرائيل”، بأنه إذا أراد “بوتين” فيمكنه بسهولة إنهاء العمليات العسكرية الإسرائيلية فى سوريا. إذا كانت “إسرائيل” تفكر فى الإنحياز علناً إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية بشأن أوكرانيا، فقد أشارت موسكو إلى أنه سيكون هناك ثمن إستراتيجى باهظ يجب دفعه.

١٥) تحاول الولايات المتحدة الأمريكية إتباع آلية عالمية جديدة ونشرها حول العالم فيما يتعلق بالصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا، خاصةً مع الحرص الأمريكى على إطلاق تحذيرات متكررة من هجوم روسى وشيك على أوكرانيا، تنشر الولايات المتحدة معلومات “سرية” حول التحركات الروسية بشكل غير مسبوق. لكن التحليلات تشير بأن الولايات المتحدة الأمريكية لا يهمها فى المقام الأول بأن تبدو معلوماتها بشأن تلك الأزمة الراهنة “شفافة وأكثر إنفتاحاً”، ولكن الحقيقة هو أن ما تفعله واشنطن ليس سوى “شكل جديد من أشكال الحرب”.

١٦) فكافة التحليلات لوسائل الإعلام تشير لكافة الإعلانات والبيانات الأمريكية لنشر معلومات مفصلة حول تحركات روسيا ومحاولاتها للتضليل الإعلامى، وذلك فى إطار تحضيرها للهجوم على أوكرانيا، رغم نفى موسكو نيتها الهجوم عليها.

١٧) قد لا يكون من باب المصادفة أن (التدخل الروسى فى سوريا فى سبتمبر ٢٠١٥، حدث بعد عام من الهجوم على شرق أوكرانيا وإحتلال شبه جزيرة القرم). ولم تكن الخطوة الروسية فى سوريا مجرد تعزيز لنفوذها التقليدى هناك، بل كشفت عن ديناميكية جديدة فى الدور الروسى عسكرياً فى مواجهة النفوذ الغربى.

١٨) وهنا، فإن إعلان الجانب الروسى فى ذروة هذا الإهتمام العالمى بالأزمة الأوكرانية، عن إجراؤه لعدة (تدريبات بحرية فى البحر المتوسط، ونقل قاذفات وطائرات مجهزة بصواريخ أسرع من الصوت إلى القاعدة الجوية الروسية فى سوريا). فهذا يعد أحد المؤشرات الدالة على أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تمثل قطعة من رقعة شطرنج عالمية تتجاذب حولها الأدوار وصراع النفوذ بين القوى الكبرى.

١٩) فبعد بسط النفوذ الروسى شبه الكامل فى الأراضى السورية، سواء عبر قواتها العسكرية أو عبر (مرتزقة الفاغنر)، نلاحظ إتجاه موسكو بعد ذلك نحو شمال أفريقيا ومنطقة جنوب الصحراء، من خلال نشرالآلاف من (عناصر فاغنر)، لتصبح لاعباً رئيسياً فى الأزمة الليبية وفى أوضاع عدد من دول غرب أفريقيا ووسطها.

٢٠) أوجه تأثير الأزمة على دول المنطقة ستكون مرتبطة إلى حد كبير بطبيعة السيناريوهات التي يمكن أن تتطور وفقها الأزمة الحالية. إذ يرسم الخبراء سيناريوهات متباينة لمآلات صراع القوة المفتوح بين الغرب وروسيا، وهى تترواح بين (سيناريو حرب واسعة أو محدودة، وسيناريو إستمرار التوترالحاد، وسيناريو إتجاه الأزمة نحو الإنفراج بناءً على تسوية مؤقتة أو بعيدة المدى).

٢١) وإذا كان توسع النفوذ الروسى في المنطقة قد حدث في فترة شهد فيها نفوذ دول أوروبية التراجع، وخصوصاً (فرنسا وإيطاليا)، فقد تزامن أيضا مع توجه الولايات المتحدة إلى (إعادة ترتيب أولوياتها فى العالم وتقليص دورها فى المنطقة، بإتجاه التركيز على الصين كعدو رئيسى).

٢٢) ويبقى الأهم عندنا، هو (تحليل التأثير المحتمل لحملات روسيا العسكرية وإختراقاتها لمناطق النفوذ للتقليدية لأوروبا والولايات المتحدة، كافة القوى الغربية المؤثرة إلى إعادة النظر في حساباتها)، بل ومدى إمكانية أن يقود ذلك إلى إستعادة منطقة الشرق الأوسط لمكانتها فى الإستراتيجية الأمريكية؟

٢٣) إذا حدث ذلك، فربما يبدأ من منظور غربى، بسد بعض “الفجوات الإستراتيجية” التى ظهرت في السنوات القليلة الأخيرة فى علاقات حلفاء تقليديين للولايات المتحدة، مثل (مصر والسعودية)، والتى فتحت قنوات تعاون عسكرى وإقتصادى كبيرة مع روسيا. إذ سجلت المبادلات الروسية المصرية في العام الماضي نمواً بمعدل ١٠%، وإستعادت روسيا حضورها كمزود أساسى للسلاح إلى مصر.

٢٤) وفيما يبدو تحولاً فى موقف إدارة الرئيس “بايدن” بسبب التخوف من الحرب الروسية ضد أوكرانيا والدور الأمريكى لمنع ذلك والدفاع عن أوكرانيا، فقد (رفعت واشنطن تحفظاتها على صفقات سلاح كبيرة للسعودية والإمارات)، بعد أن كانت الدولتان الخليجيتان وتحت وطأة ضغوط حرب اليمن والصراع مع إيران، قد فتحتا قنوات تعاون عسكرى مع روسيا والصين اللتين لا تضعان شروط مسبقة قبل عقد صفقات السلاح. وهو ما يعد عامل جذب لعدد كبير من الدول العربية فى (التوجه لطلب دعم “بوتين”، فى مواجهة الضغوط الغربية أو الإستحقاقات الشعبية والأمنية الداخلية).

٢٥) ولقد حافظت (منطقة شمال أفريقيا، والتى تضم تونس والمغرب بالأساس كحلفاء لواشنطن) على وضعها ضمن الترتيبات التي وضعت فى عهد إدارة الرئيس السابق “ترامب”، وبالأخص، بعد (تعزيز إتفاقيات التعاون العسكرى مع المغرب وتونس كحليفين رئيسيين من خارج الناتو)، والتى أكدت أن مدى إمكانية الإستفادة الأمريكية منهما فى صلب الإهتمام الإستراتيجى الأمريكى بالقارة الأفريقية كمنطقة تنافس ساخن مع الصين وروسيا، وهو ذاته نفس التوجه الذى دعمه الرئيس “جو بايدن”.

٢٦) وبناءً على التحليل السابق، فهنا يمكن أن تسهم الأزمة الأوكرانية إلى “تعزيز التحالف والتنسيق الأمريكى مع بلدان شمال أفريقيا خلال الفترة المقبلة”، بالإعتماد على حالة الزخم الذى تحقق بين الحلفاء الأمريكيين والأوروبيين داخل حلف الأطلسى فى مواجهة الصين وروسيا. بالإضافة إلى إستمرار الإعتماد على الشراكة مع حلفاء إقليميين تقليديين فى مقدمتهم إسرائيل وتركيا.

٢٧) ويمكننا رصد عناصر جديدة فى الصراع، وهى (مستمدة من التطورات التكنولوجية والسيبرانية ونوعية جديدة من أدوات الصراع لا تقتصر على الأسلحة التقليدية والإستراتيجية بما فيها النووية. وبحكم تأثيرها النوعى فى طبيعة الصراع، فهى تضفى على المواجهة هذه المرة طابعاً غير تقليدياً)، يطلق عليه علماء الإستراتيجيات، بأنه (أجيال جديدة للحروب والصراعات).

٢٨) ومن هنا فإن تداعيات الأزمة الأوكرانية على دول منطقتي شمال أفريقيا والشرق الأوسط ليست مرتبطة فقط بطبيعة المصالح التى تربط دول المنطقة بأطراف الصراع أى روسيا وأوكرانيا ثم الولايات المتحدة وأوروبا، بل (هى مصالح متحركة، ليس فقط بحكم التفاعل والتغير فى العلاقات، بل أيضاً بفعل الطبيعة المستجدة والمتطورة لأدوات التأثير فى تلك العلاقات).

٢٩) فلقد أظهرت التطورات الكبيرة فى الأزمة بين الغرب وروسيا، مرة أخرى (مدى أهمية الموقع الإستراتيجى الذى تحتله أوكرانيا كمنطقة تماس حساسة بين روسيا من جهة وأوروبا وباقى دول حلف الناتو)، والعديد من الدول الأخرى من جهة ثانية.

٣٠) ويمكننا هنا تحليل مدى (الدور التنافسى الذى يمكن أن تلعبه أوكرانيا كمصدر أساسى للمواد الغذائية الأساسية)، كالحبوب، والزيوت، واللحوم، والتى تصدرها أوكرانيا لعدد كبير من الدول العربية، والتى تعتمد على واردات القمح عبر البحر الأسود، والذى يوجد بدوره فى قلب التوتر العسكرى.

٣١) ومن المتوقع إرتفاع أسعار الحبوب بنسبة ٢٠%، كما أن إندلاع الحرب في أوكرانيا قد يؤدى لأمرين، أولاً: إرتفاع أسعار البترول فى العالم، التي بدورها سوف تؤثر على أسعار الغذاء، وبالتالى سوف ترتفع تكاليف النقل البحرى والبرى داخل الدول، ثانياً: سوف يؤدى إلى إرتفاع أسعار القمح والحبوب بشكل عام، لأن روسيا وأوكرانيا تتحكم فى كمية كبيرة من إستيراد الحبوب في العالم، لذلك سوف ترتفع أسعار الحبوب بشكل لن يقل عن ٢٠%، بخلاف زيادة أسعار البترول التي ممكن تصل إلى ٢٠% أيضاً، لذلك سوف تتأثر الأسعار داخلياً وخارجياً.

٣٢) وسنلاحظ بأن إندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا سيؤثر على إستيراد مصر من الحبوب من أوكرانيا، لأنه (فى حالة قيام الحرب، ستغلق موانئ أوكرانيا كلها، لذا يتوقع إرتفاع تكاليف النقل، خاصةً مع إضطرار السفن لفرض بدل مخاطر فى المناطق التي فيها حروب، وبالتالى تصبح النتيجة النهائية هى إرتفاع تكاليف إستيراد القمح).

٣٣) كما أن نشوب الحرب (ستؤثر بالسلب على الإستيراد المصرى من الحبوب كالقمح والذرة الصفراء للأعلاف وزيوت الطعام، مما يؤثر على المخزون الإستراتيجى لمصر)، لأن المخزون الإستراتيجى الخاص بمصر ثلثه بالمخازن وثلثه على المراكب بالبحر وثلثه تعاقدات، فثلث الخاص بالتعاقدات هو الذى سوف يتأثر إلى أن يتم حل الإشكالية المتعلقة بأزمة التعاقدات مع أوكرانيا إذا قامت الحرب.

٣٤) وربما ستصبح (الخطة البديلة لمصر فى حال إندلاع الحرب، هو إتجاه مصر إلى فرنسا، بالنظر لأنها أقرب المنشآت المصدرة للقمح، وبعدها أستراليا، ثم نلجأ إلى المنشآت البعيدة مثل كندا والولايات المتحدة والبرازيل)، بالنظر لأم القمح بهذه الدول يعد أفضل بكثير فى الجودة من القمح بروسيا وأوكرانيا، لأن القمح الروسى والأوكرانى أقل من الأسعار العالمية بـ ١٠%، لأن أنواعه أقل من القمح الأمريكى والأسترالى والفرنسى، لكن ذلك الفرق سوف يزيد من أسعار القمح، بالإضافة لزيادة سعر البترول إذا إندلعت الحرب.

٣٥) مع العلم، بأن صادرات أوكرانيا وروسيا من القمح تمثل نحو ٢٣٪ من حجم الصادرات العالمية، وتقترب أسعار المواد الغذائية العالمية حالياً من أعلى مستوياتها فى ١٠ سنوات، وتعنى حصة البلدين فى السوق بأن (أى إضطرابات فى الصادرات قد يتسبب فى إرتفاع أسعار الحبوب فى مصر والمنطقة).

٣٦) ووفقاً لبيانات وزارة الزراعة الأمريكية، فقد كان الشرق الأوسط (ثالث أكبر مشتر للقمح من أوكرانيا)، وذلك بين عامى ٢٠٢٠/٢٠٢١، وكان أكثر من ٤٠٪ من صادرات القمح الأوكرانية يتجه إلى أسواق الشرق الأوسط أو أفريقيا وحدها.

٣٧) وكان أحد أهم تبعات إرتفاع أسعار بعض السلع خاصة فى مصر، لأن (مصر تستورد مجموعة من السلع الغذائية الإستراتيجية من الجانب الأوكرانى، وعلى رأسها القمح، إذ تستود مصر ١٣ مليون طن سنوياً من القمح من روسيا وأوكرانيا سوياً)، كما تستورد مصر من أوكرانيا أيضاً منتجات الذرة والشعير وفول الصويا، بالإضافة إلى زيت الطعام، والحديد والفولاذ ومنتجاته.

٣٨) وتشير التوقعات بأن (ترتفع أسعار بعض هذه السلع بنسبة ٢٠%، جراء إندلاع حرب بين روسيا وأوكرانيا، بخلاف زيادة أسعار البترول عالمياً)، بما لها من تأثيرات على مصر وبلدان المنطقة.

٣٩) وهنا تشير توقعات صندوق النقد الدولى، بأن ترتفع (تكاليف الطاقة وأسعار السلع فى العديد من الدول، ومنها مصر) فى حالة حدوث صراع.

٤٠) وهناك تخوفات من أن تأثير الصراع على الشرق الأوسط قد يكون أسوأ بكثير، خاصةً أنه يعد صراع بين إثنين من كبار الموردين فى العالم للحبوب، مما (سيكون له تأثير سلبى على الأسعار، فى حين أن هناك بالفعل شعور بالنقص فى القمح عالمياً وفى بلدان الشرق الأوسط ومصر منها).

٤١) ونلاحظ بأن أكثر بلدان الشرق الأوسط إستهلاكاً للقمح، هى: (لبنان وليبيا ومصر)، والتى تعتبر من بين أكبر الدول المستوردة للقمح من أوكرانيا فى المنطقة، حيث تعتمد دول، مثل: (اليمن وسوريا) على مشتريات برنامج الغذاء العالمى للقمح الأوكرانى كمساعدات.

ونفهم من خلال التحليل السابق، مدى تأثير تطور الأزمة الأوكرانية والدعم الروسى- الصينى فى مواجهة “حلف الناتو” وأعضاؤه البارزون فى الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، فإن تطور هذا الصراع مرهون بمدى العمق الدفاعى والعسكرى للصين وروسيا معاً، ومدى قدرتهما سوياً على تحدى إرادة الغرب وواشنطن، وربما كان ذلك هو ما عبر عنه مستشار الأمن القومى الأمريكى الأسبق “زبغنيو بريغنسكى” عن الخطورة الكامنة وراء التحالف المحتمل والسياسات التى تدفع بإتجاهه، عندما أكد بشكل صريح من أن “أسوأ سيناريو يمكن أن تتعرض له الولايات المتحدة، هو تشكيل تحالف دفاعى وأمنى كبير بين الصين وروسيا”، كما أن السياسة الأمريكية المعادية لروسيا والصين، والتى باتت تنتهجها القيادة الأمريكية الحالية للرئيس “جو بايدن”، وتعبر عن التوجه السائد الحالى لدى الإدارة الأمريكية، إنما تدفع روسيا والصين إلى تحقيق هذا السيناريو الذى يعد الأسوأ بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية.


اكتشاف المزيد من أخبار السفارات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من أخبار السفارات

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading